الهجرة إلى المدن الكبرى- ضغوط الحياة أم جاذبية الفرص؟
المؤلف: عقل العقل09.27.2025

في خضم المجتمعات الديناميكية التي تتسم بضغوط اجتماعية واقتصادية متزايدة على قاطني المدن الكبرى، قد يغدو التوجه نحو هذه الحواضر ضرورة مُلحة لشريحة واسعة من السكان، وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها الظفر بفرص عمل واعدة وآفاق اقتصادية جديدة، نظرًا لتركز محاور العمل والإنتاج في هذه المدن. هذا التركز السكاني أفرز مدنًا مترامية الأطراف، تحمل في طياتها مزايا جمة وتحديات جمة أيضًا. من بين هذه التحديات، يبرز غلاء المعيشة الفاحش وارتفاع أسعار الضروريات الأساسية، كالسكن والرعاية الصحية والتعليم والترفيه.
هذه المعضلات ليست حكرًا على مدننا، بل تعاني منها أغلب المدن والعواصم العالمية. على سبيل المثال، نجد في بعض الدول الغربية أن فئات كبيرة من المتقاعدين يخططون مليًا للانتقال إلى منازل في مدن ساحلية هادئة، غالبًا ما تكون مدنًا متوسطة أو صغيرة، يقطنها في الغالب كبار السن، وتوفر لهم الخدمات الأساسية على غرار المدن الكبرى، مع مستوى أمان وهدوء فائقين. ومع مرور الوقت، تشهد أسعار العقارات في هذه المدن ارتفاعًا مطردًا نتيجة الهجرة إليها من مدن وعواصم تعاني من الاختناقات المرورية وإيقاع حياة سريع لا ينسجم مع طبيعة المتقاعدين وكبار السن.
في منطقتنا الخليجية، لم تتبلور هذه الأنماط الاجتماعية بشكل واضح، فالجميع يطمح للعيش والعمل والتقاعد في العاصمة أو المدن الكبرى، رغم التحديات المتنوعة التي تكتنفها، من ارتفاع جنوني للأسعار وازدحام مروري خانق. ربما تكون بعض مبادرات تحسين جودة الحياة بمثابة نقطة انطلاق لأنسنة المدن، وجعلها وجهة جاذبة للحياة قبل أن تكون مجرد مراكز للتوظيف والعمل الدؤوب، الذي قد يفضي إلى العزلة الاجتماعية للبعض، على الرغم من الاختلافات في عادات وقيم المجتمعات التي لا تزال تحافظ على الروابط الأسرية المتينة في مجتمعاتنا المحلية.
في المناسبات والأعياد، نلمس هدوءًا لافتًا في شوارع الرياض على سبيل المثال، حيث نصل إلى وجهاتنا في غضون دقائق معدودة، مقارنة بساعات طويلة كنا نهدرها داخل مركباتنا في الأيام الاعتيادية. يراود البعض حلمًا بأن تطول هذه الإجازات لننعم بحياة أقل صخبًا وضغوطًا.
يجدر ببعض المتقاعدين التفكير مليًا في الانتقال للعيش في المدن الصغيرة والمتوسطة، والقريبة نسبيًا من العاصمة والمدن الكبرى، رغم أن أسعار العقارات في هذه المناطق لم تسلم من الارتفاع غير المبرر للأراضي، فضلًا عن الاستراحات أو المزارع الصغيرة. أرى أن المدن الكبرى باتت ضرورية للعمل والدراسة والتجارة، أما من لم تعد له صلة بهذه الأمور، فإن الهجرة إلى مناطق الريف تمثل حلًا مثاليًا لراحة البال والتكيف مع التضخم المتزايد في المدن الكبرى، خاصة وأن الخدمات بشتى أنواعها متوفرة في أغلب مناطق المملكة، وتغطية الإنترنت قوية هناك، وهي من المقومات الأساسية لحياة إنسان هذا العصر.